هزت الضربة التي وجهتها المحكمة الدستورية العليا المصرية في 14 يونيو الأمة المصرية والعالم كله بحلها البرلمان وتمكينها الشرطة العسكرية من القيام بمهام الضبطية القضائية. ولكنها ليست إلا محاولة يائسة من نظام المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل التراجع عن المكاسب الديموقراطية التي انتزعها المصريون خلال انتفاضتهم الثورية أوائل عام 2011.
وجاء هذا القرار ليفرض من جديد هيمنة السلطة العسكرية في مواجهة موجة جديدة من الاحتجاجات الجماهيرية. فبدايةً, تلاعب المجلس العسكري بنتيجة الجولة الأولى من الانتخابات من أجل تمكين مرشحه المفضل من التأهل لدور الإعادة. وتلى ذلك رفض المحكمة المخزي لادانة المخلوع حسني مبارك ورفاقه بتهمة القتل الجماعي للمحتجين خلال الثورة مما أدى لنزول مئات الآلاف للشوارع مرة اخرى.
واستسلم قيادات الاخوان المسلمين بحزبهم ذو الأغلبية البرلمانية في مواجهة هذه الاحتجاجات ووعدوا بإعادة محاكمة رموز النظام السابق على جرائمهم. مما أخل بالصفقة التي كانت بين قيادات الاخوان المسلمين والمجلس العسكري والتي تنص على وعد من الاخوان المسلمين بحماية الجيش في مقابل مشاركتهم في حكم البلاد. وكشف تحول البرلمان المفاجئ برفعه مطالب الجماهير بدلا من قمعها أنه لم يعد أداة مفيدة في يد الحكام العسكريين.
الطبقة الحاكمة المصرية وسادتها الامبرياليين بحاجة إلى دولة عسكرية قوية لحماية ممتلكاتهم وقمع الجماهير. ويحتاج المجلس العسكري لنوع من الغطاء السياسي للاستمرار بالحكم, لا برلمان يهيمن عليه حزب يعلق عليه الناس آمالهم في تحقيق مطالب الثورة. وانتشرت أوهام الناس في قيادة الاخوان المسلمين للبرلمان (رغم أن جماعة الاخوان المسلمين نفسها تخضع لقيادة رأسماليين أثرياء ترددوا في الاستجابة لانتفاضة 2011 الجماهيرية) وكان مبرر الناس في تلك الأوهام السنوات التي قضاها الاخوان في معارضة الديكتاتور.
وفي هذا المنعطف, يفتقد الناس قيادة تمتلك الأمل في رؤية انتفاضة ثورية أخرى. ولذا يأمل المجلس العسكري أن يتمكن من التعاون في الخفاء مع الاخوان المسلمين والقوى البرجوازية الأخرى من أجل إعادة انتاج شكل ما من أشكال الواجهة الديموقراطية الزائفة لحكومة تخضع لسيطرتها. ولكن قد يتمكن حماس الجماهير الثوري المستمر في تحدي مخططاتهم.
فكما سنشرح لاحقا, نحن الماركسيون الثوريون نؤمن بأن الأزمة السياسية الحالية في مصر تعبر عن الحقيقة التي تنص على أنه في ظل ظروف توغل الأزمة الاقتصادية والسيطرة الامبريالية, فإن مطالب الجماهير الأساسية من أجل الحريات الديموقراطية والعدالة تشكل تهديدا للطبقة الحاكمة والامبريالية التي ترعى دولتها ونظامها. والنضال المستمر من أجل هذه المطالب يفضح عجز القيادات البرجوازية عن تحقيقها. وعندما تجد الجماهير قيادة تكرس نفسها للاستيلاء على السلطة بقوة العمال والفقراء أنفسهم في شكل حزب الطبقة العاملة الثوري, ستكون قادرة بذلك على الهروب من الطريق المسدود الذي يواجه مصير ثورتهم.
منذ الإطاحة بمبارك تنازلا لحركة الجماهير الثورية في فبراير العام الماضي, حكم المجلس العسكري البلاد لكنه لم يتمكن من اخماد النضالات الشعبية المستمرة التي أطلقتها الثورة. ومحاولته الأولى لفرض الحظر على الاحتجاجات والاضرابات قوبلت بالتجاهل الفوري من قبل الملايين. وشعبية الثورة, بدءا من الجماهير الفقيرة في العشوائيات حتى الحركة المتنامية للنقابات المستقلة مرورا برتب وجنود الجيش المصري الإلزامي, شعبيتها تلك كانت وراء خوف المجلس العسكري من أن أي محاولة لشن حملة لثورة مضادة ستؤدي إلى إثارة تمرد أكبر.
هذه هو السبب الذي جعل المجلس العسكري (بتشجيع من مموليه في واشنطن) يقضي قرابة العام محاولا الوصول لاتفاق يقضي بتنازله عن حصة من السلطة للاخوان المسلمين في مقابل ضمانات من الاخوان بحماية القوة العسكرية للدولة ومصالحها الاقتصادية من الانتفاضات الجماهيرية. وكانت جماعة الاخوان المسلمين قد راكمت تأثيرا كبيرا على الجماهير من خلال سنوات من العمل الخيري ومعارضة الديكتاتورية. بما يعني أنها كانت في وضع جيد يمكنها من ركوب الثورة بمشاركة المجلس العسكري في السلطة واستخدام تأثيرها على الجماهير لتشجيعها على قبول حلول وسط لمطالبهم الثورية. وتلخصت مشكلة الاخوان والمجلس العسكري في أن الجماهير, مسلحةً بالخبرة الثورية, لم تتعاون مع هذا المخطط.
في العام الماضي انتُخبت الإخوان لموقعها المهيمن على البرلمان الجديد. وفي يناير, تداول برلمانيوها تشريعا يحصن مسؤولي النظام من الملاحقة القضائية على الجرائم التي ارتكبت خلال ثورة 2011. ولكن بعد دبرت قوات الأمن مذبحة بورسعيد لمشجعي الكرة المؤيدين للثورة (الألتراس) فبراير الماضي, أجبر الغضب الجماهيري البرلمان على التخلي عن هذا التشريع.
ثم كان استسلام القيادات البرلمانية الاخوانية لمطلب الجماهير بإعادة محاكمة مبارك ورفاقه الدليل الأخير للحاكم العسكري على انه لا يمكن الوثوق بالاخوان كقوة مهيمنة على اي حكومة مدنية.
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن العسكر يريد الاستمرار في حكم البلاد بشكل مباشر, ولكنهم أدركوا أن روح الجماهير الثورية لم تنكسر بعد. ولا يزالوا خائفين من ان ممارستهم للقمع على نطاق واسع سيؤدي لانتفاضة ثورية جديدة. ولذلك يأمل المجلس العسكري أن إنشاء حكومة مدنية تحظى القبول الجماهيري سيمكنه من استعادة النظام ووضع حد للموجات المستمرة من الاحتجاجات والاضرابات.
ا يمكن استبعاد امكانيه منح مرشح الاخوان محمد مرسي الفوز بالانتخابات الرئاسية. فكونه اصبح متحررا من ضغط برلمان منتخب سيجعله أكثر قدرة على التفاوض في صفقة لحماية مصالح المجلس العسكري. ويبدو ذلك مستبعدا لحد كبير ولكن بدلا من ذلك يبدو ان المجلس العسكري يعتقد أن فوز مرشحه أحمد شفيق سيضمن مصالحه خلال عملية تشكيل حكومة مدنية جديدة وصياغة دستور جديد. ويبدو إلى حد بعيد ان القيادات الكبيرة في الاخوان المسلمين تستعد لمسايرة ذلك.
ذكرت جريدة الأهرام في اليوم السابق للانقلاب خبرا عن اجتماع الزعيم الاخواني خيرت الشاطر ورموز اخوانية أخرى بمسؤولين بالمجلس العسكري وأشار الخبر إلى استعدادهم لقبول فوز شفيق بالرئاسة. وقال مصدر اخواني "في اعماقي لا أحد يتوقع فوز مرسي بالرئاسة" كما قال: “لا نريد الدخول في مواجهة .. ولكن نريد وجودا قويا في الحكومة المقبلة", ولذلك عندما أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بحل البرلمان صرح مرسي قائلا "أنا لا أرى أن مايحدث هو انقلاب عسكري" ولم يوجه نداءات للجماهير لحشدها دفاعا عن البرلمان وأشار أن انتخابات الرئاسة يجب أن تستمر.
بلا شك سيقوم الكثيرون باتباع نصيحة مرسي والذهاب للتصويت في الانتخابات يومي السبت والأحد. إلا أن قبول الاخوان لحل البرلمان يشير بجلاء إلى أن التصويت لمرسي يعد تأييدا للقبول السلبي بالانقلاب العسكري, وليس تصويتا ضده. وطالب الكثيرون مرسي بالانسحاب من الانتخابات (وهم على حق). وأدت احتجاجات شباب الإخوان على قبول قياداتهم الأولي للانقلاب إلى اجبار مرسي لاضافة بعض التصريحات الغاضبة الجديدة, في الوقت نفسه لا يزال يحث أنصاره على الذهاب إلى التصويت. ويمكن أن تؤدي هذه الاحتجاجات في احداث انقسام بالمنظمة وانفصال قطاعات عن القيادة من أجل المشاركة مرة أخرى في نضالات الشارع. ولو استمر الاخوان في اصرارهم على المشاركة في الانتخابات, سيؤدي ذلك لفضحها أكثر وأكثر أمام مؤيديها كرافضة للوقوف في وجه العسكر. أما إذا استجابت لتلك المطالبات, فسوف تضطر لإقامة المزيد من الاحتجاجات الجماهيرية ضد حكم العسكر.
وتعتبر حملة قوية لمقاطعة الانتخابات الطريقة المثلى للبدء في تنظيم المرحلة المقبلة من النضال الجماهيري ضد محاولات العسكر للثورة المضادة, بالإضافة للاحتجاجات الجماهيرية التي لا تترك مجالا للشك في رفض أعداد كبيرة من المصريين لمحاولات العسكر للحصول على مشروعية زائفة لانقلابهم.
كان هناك بالفعل حاجة لمثل هذه الحملة قبل الانقلاب. فمنذ ستة أشهر مضت منح أكثر من 10 ملايين ناخب للاخوان موقعهم القيادي على رأس أغلبية اسلامية قوية في البرلمان. إلا أن البرجوازيين الاسلاميين فشلوا في استخدام سلطتهم الجديدة لمعالجة وحل مطالب الجماهير الأكثر إلحاحا, كالحاجة إلى وظائف وحل لمشكلة ارتفاع الأسعار, كما رفضوا تحدي استمرار حكم العسكر. في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية, عبّر الملايين عن ادانتهم لفشل الاسلاميين. فحصل مرسي الاخواني بالكاد على نصف ماحصل عليه مرشحوا الاخوان البرلمانيين قبل سته أشهر, بل وكان المرشحون الأكثر حصدا للأصوات في مواجهة الاخوان من اليسار. وخصوصا المرشح الناصري اليساري حمدين صباحي والذي حصل على ملايين الأصوات جعلته في مقدمة نتائج صناديق القاهرة والاسكندرية ومعظم المناطق الحضرية الأخرى. ورغم أن صباحي كان قد صرح عن "أمله في انشاء دولة رأسمالية مصرية" إلا أن شعبويته الجذابة كابن فلاح فقير ووعودة المستمرة بأولوية الطبقة العاملة والفقراء أكسبته دعما كافيا جعله يتأخر عن مرسي الإخواني بأربعة نقاط.
قام العسكر بشراء الأصوات وحشو صناديق الاقتراع مما أدى لرفع مرشحهم شفيق إلى المركز الثاني, مستبعدا صباحي من الجولة النهائية. وكانت الاحتجاجات الحاشدة لانصار صباحي ضد هذا الظلم بمثابة مقدمة هامة لاحتجاجات حاشدة بعدها بأيام قليلة ضد قرارات المحكمة بخصوص مبارك ورفاقه. ونحن نعتقد أنه في وجود ملايين الناخبين محرومين من حقهم في مشاهدة مرشحهم ينافس الاخوان من أرض يسارية في الجولة النهائية فإنه يجب على الثوار تشجيع هؤلاء الناخبين المحرومين لكي يعبروا عن غضبهم بتنظيمهم في شكل حملة نشطة للمقاطعة. وفي الواقع, ونظرا لرغبة الطبقة الحاكمة المصرية في اقامة حكومة مدنية رأسمالية للوقوف في طريق النضال الجماهيري المستمر, فإننا نعتقد أن الثوار يجب أن يغتنموا تلك الفرصة لحرمان تلك الحكومة من جو الشرعية.
بحلول عشية الثورة المصرية العام الماضي, كان نظام مبارك قد حاز كره جميع طبقات المجتمع باستثناء شريحة العسكر وحلفاءها من الرأسماليين المقربين. وكانت الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية قد اصيبت بالاحباط من الديكتاتورية العسكرية الخانقة والرأسماليات الخاصة بالاخوان المسلمين التي كانت لا تزال ممنوعة من أروقة السلطة بالإضافه لقمع حركتهم. لعقود من الزمن دفع الركود الاقتصادي العالمي حكام مصر (كالحكومات في اي مكان) لاتخاذ تدابير للتقشف أعمق من أي وقت مضى, وتقليص الانفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية بالإضافة لخصخصة صناعات الدولة. وأدى ذلك لتآكل قاعدة الديكتاتورية المصرية وتقليص قدرة شبكة المصالح التي استخدمت سلفا لشراء الدعم. ولذلك فعندما قاد الفقر اليائس المتزايد الجماهير الفقيرة نحو الثورة وجد النظام نفسه أقل قدرة على مقاومتهم أكثر من أي وقت مضى.
وكانت الاحتجاجات الأولى ضد مبارك قد دعى إليها مجموعات ليبرالية ويسارية تنتمي للطبقة المتوسطة اتفقوا على ما هو أكثر قليلا من اصلاح ديموقراطي. وتصور قليل منهم ان جماهير الطبقة العاملة والفقراء سينضموا إليهم بأعداد غفيرة لدفع نظام مبارك نحو الهاوية, أو أن هؤلاء العمال سيطلقوا موجة اضراب عام على مستوى القطر مما سيجبر العسكر على التخلي عن الديكتاتور لانقاذ الديكتاتورية. ولكن عندما هبت تلك الملايين, فإنها لم تفعل ذلك من أجل المبادئ الديموقراطية المجردة. فقد دلل الشعار الثوري "عيش, حرية, عدالة اجتماعية" على أن النضال من أجل الحرية السياسية والفردية لا يمكن فصله عن حاجة الجماهير اليائسة للهروب من حياة غارقة في الفقر وتقليص الفرص.
إذا لم تنشأ قيادة بديلة ثورية للطبقة العاملة مستعدة لقيادة الجماهير قدما لاسقاط الحكم العسكري, فستتمكن القوى الرأسمالية بقيادة الاخوان من تصدر الحركة. سيظل الاخوان المسلمون مهتمين هم وكل القوى الرأسمالية بالحفاظ على الدولة العسكرية في مصر مادامت تضمن كبح الجماهير, طالما كانت مصلحتهم الأساسية في الاستمرار في الاستفادة من استغلال الطبقة العاملة. انهم لا يريدون اسقاط العسكر, بل يريدون مشاركته في حكم البلاد. تتمثل مشكلة القوى الرأسمالية التي تحاول سلب الثورة الجماهيرية في ان بقاءهم على رأس الجماهير مرتبط بادعاءهم الدفاع عن مطالبها, إلا ان شرط انضمامهم للطبقة الحاكمة العسكرية هو خيانة هذه المطالب.
لقد حذرنا نحن الماركسيين الثوريين مبكرا جدا من أن الثورة المصرية لن تتمكن من تحقيق مطلبي الحرية والعدالة طالما ظلت تحت هيمنة القوى البرجوازية ومكبلة بقيود الحدود الرأسمالية. ولا شئ يبرهن على هذا الفشل الصارخ أكثر من فشل الثورة حتى الآن في ادانة مبارك ورفاقه بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة. ان الخطر الذي تخشاه الطبقة الحاكمة هو أنه لو ادين أحد رموز النظام على جرائمه, فسيكون من الصعب وقف ذلك, وخاصة أن الدولة العسكرية المصرية انتهجت القتل والتعذيب على نطاق واسع ومنظم منذ البداية. فالمطالبة المبدئية بتحقيق العدالة تهدد بالتالي بحل جهاز الدولة كله.
الطبقات الوحيدة التي تكمن مصلحتها في رؤية الثورة المصرية تنتصر بتحقيق كافة مطالبها هي الطبقات التي لن تخسر شيئا من اسقاط الدولة الرأسمالية: جماهير غفيرة من الفقراء والطبقة العاملة في الحضر والريف. وحتى الآن, كانوا هم المصدر الأكبر لقوة الثورة. والآن, يجب على الطبقة العاملة أن تتسلم قيادة اثورة من خلال شرائحها الأكثر وعيا طبقيا. إن الثورة التي بدأت شعبية تضم كل الطبقات يجب أن تتحول لثورة طبقية عمالية من أجل اسقاط الرأسمالية, وإلا فالفشل هو مصيرها.
هذه هي وجهة نظر الثورة الدائمة, والتي وضعها لأول مرة الثوري ليون تروتسكي,الذي لاحظ أن اعتماد البرجوازية الروسية التام على ديكتاتورية القيصر والامبريالية, وخوفها الكبير من الجماهير, يمنعها من القيام بثورة ديموقراطية ناجحة. وأوضح بالتالي أن الثورة العمالية هي الوحيدة القادرة على تحقيق المطالب الديموقراطية التي تفشل فيها البرجوازية. وقد تأكدت صحة هذه النظرية عندما فشلت الثورة البرجوازية الروسية فبراير 1917 في تحقيق أي من مطالبها الأساسية, ثم تحققت بعد ذلك عندما استولت الطبقة العمالية على السلطة خلال ثورة أكتوبر الاشتراكية. ونحن نؤمن أن تلك هي آلية العمل لكل الأمم المضطهدة حول العالم اليوم, وخصوصا في مصر اليوم.
لدى الثورة المصرية ظروف ومشاكل خاصة وفريدة من نوعها يجب عليها حلها, كما تفعل الثورات الأخرى في الشرق الأوسط. لكننا مقتنعون أن هناك بعض دروسا لجوانب محددة في الثورة الروسية ترشدنا على طريق انتصار الثورة المصرية.
أحد هذه الدروس يتعلق بدور جيش الدولة ذو التجنيد واسع النطاق. فتجنيد الطبقة العاملة والفقراء اجباريا وتنظيمهم وتدريبهم على استخدام الأسلحة يجعل الدولة أكثر عرضة للتأثر بالثورة. فعن طريق نشر رسالة الثورة داخل الجيش, تمكن الثوار الروس من ضم الكثير من ضباط الصف لجانب الثورة. وانهارت قبضة الديكتاتور والضباط على السلطة. مما ساعد كثيرا بالطبع رسالة البلاشفة أنه إذا انتصرت الثورة فسيتمكن الجنود من اللحاق باخوتهم واخواتهم من الطبقة العاملة والفلاحين ولكن في مجتمع جديد يشاركون جميعا في حكمه من خلال حكومة مصممة على وضع ثروات البلاد في سبل رفع مستوى معيشتهم.
الدرس الأخر هو ضرورة انشاء الطبقة العاملة والفقراء لمنظماتهم الجماهيرية الخاصة, ومجاس منتخبة من الممثلين للنيابة عنهم في أماكن العمل والأحياء والمناطق السكنية, بحيث تكون عرضة للمحاسبة والاستدعاء والسؤال عن طريق التصويت الديموقراطي المباشر ممن يمثلهم. فمجالس الفلاحين والعمال والجنود في الثورة الروسية والتي عُرفت باسم السوفيتتات, نشأت في سياق الإضرابات العامة التي أغلقت المدن للضغط من أجل مطالب الجماهير. تنشأ المجالس أولا لتنظيم النضال والحفاظ على الاتصال والنقل وبقية الخدمات الضرورية الأخرى. ناضل الفلاحين والعمال أولا من أجل الديموقراطية البرلمانية التي تمكن الناس من انتخاب حكومة دائمة تحكم من أجلهم. لكنهم سرعان ما اكتشفوا فوائد السوفيتات: فمن خلالها تمكنوا من حكم المجتمع وتحويله لصالحهم. وأصبحت السوفيتات بالتضافر مع الميليشيات العمالية المسلحة التي نشأت لمقاومة الثورة المضادة تشكل العمود الفقري للدولة العمالية الروسية الأولى, قبل أن تعزلها وتهاجمها الامبريالية والتي أدت لتحللها بيروقراطيا واسقاطها من الداخل بالبيروقراطية الستالينية.
وفي الحقيقة فإن انعزال وتحلل الثورة الروسية يرشدنا إلى درس أخر مهم: حتى دولة العمال لا يمكنها حل كل مشاكل الجماهير طالما ظلت الثورة محصورة في بلد واحد. فالنظام الرأسمالي والهيمنة الامبريالية تمتد حول العالم. ومن أجل النصر, يجب على الثورة الاشتراكية العمالية المصرية أن تمتد وتنتشر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل انشاء اتحاد فيدرالي من الدول الاشتراكية. مثل هذه الثورة الاقليمية ستكون مفتاح التحرر الوطني للشعب الفلسطيني في طريقة لاسقاط الدولة الاستيطانية الاستعمارية الصهيونية "اسرائيل".
الدرس الأخير والهام الذي تلهمنا اياه الثورة الروسيه هو وجود ودور الحزب البلشفي. والذي نظم معظم العمال ذوي الوعي الطبقي العالي والنشطاء الذين وضحوا للجماهير علنا أن الحل الوحيد لأزمة المجتمع هو ثورة اشتراكية للطبقة العمالية. فالدولة الرأسمالية التي تحمي أقلية صغيرة من المرتزقة, على حد قولهم, لا بد من احلالها بدولة العمال التي تخضع للرقابة الديموقراطية المباشرة من العمال. وسوف تدافع دولة العمال عن نفسها في مواجهة الثورة المضادة كما ستقوم بتخطيط الانتاج الاقتصادي والتوزيع من أجل مصالح الجميع.
عن طريق شرح صبور وصادق للعمال للحلول المقترحة, وحتى أثناء مناقشتهم لفكرة تعتبر مستحيلة, تمكن البلاشفة من الاستفادة من الخبرات المتنوعة للنضال الطبقي مع زملائهم من العمال والفقراء, كما تمكنوا من اقناع المزيد منهم بمدى ضرورة الثورة الاشتراكية معتمدين على خبراتهم وتجاربهم الخاصة خلال الصراع الطبقي.
بالتأكيد يعد الإنقلاب العسكري نكسة سيئة للنضال. فإعادة فرض الأحكام العرفية يفتتح حقبة جديدة تتسم بصلاحيات اوسع في يد المؤسسة العسكرية لاعتقال واضطهاد الثوار.
في الوقت نفسه فإن الجماهير لم تنهزم ولا يزال المجلس العسكري مرعوبا من عودة النضال الجماهيري. وهذا السبب الذي دفعهم للوعد بانتخابات جديدة.
وفي ظل هذه الظروف فإننا نعتقد أن الطريقة البلشفية أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى:
من بعيد, لن نتمكن نحن العمال الثوريين في رابطة الحزب الثوري في الولايات المتحدة من الحكم على تفاصيل الوضع الفوري الذي يواجه الثورة المصرية. لكننا مؤمنون بأن هذه الأفكار الأساسية يمكن أن تلعب دورا هاما في ارشاد العمال خلال الأزمة الحالية وتجاه انتفاضة ثورية جديدة. ونحن نتطلع إلى تعميق واثراء مناقشتنا مع الثوار المصريين, والتعلم من تجاربهم والتفكير معهم, والتضافر من أجل بناء الحزب الأممي للثورة الاشتراكية, الحزب الذي نؤمن بحاجة العمال له من أجل الاسقاط النهائي للنظام الرأسمالي الامبريالي الفاسد.