الرسالة التالية هي رد على البيان " المجد للشهداء .. والنصر للثورة" الذي نشرته المجموعة الاشتراكية الثورية في مصر في مطلع فبراير، ونشر في أوساط واسعة جدًا في e-socialists.net/node/6445 يوم الأحد 6 فبراير.
8.2.2011
إننا نجلُّ المكانة التي تحتلونها بين المناضلين الأشاوس ضد دكتاتورية مبارك الدموية. ولكننا نود بذات الوقت مشاطرتكم شيئًا من النقد المتعلق ببيانكم الصادر في مطلع فبراير.
إننا ندرك أن بالإمكان أن نتفهم دوركم في النضال العظيم الذي تقوم به الجماهير المصرية، وليس بموجب هذا البيان فحسب، بل على ضوء تصريحاتكم وعلى ضوء نشاطكم السياسي الفعال. ولكن بيانكم في مطلع فبراير هو البيان الأول الذي ترجم للإنجليزية، ونشره جماهيريًا الرفاق ذوي الميول السياسية في الاشتراكية العالمية، ولذا نعيرها أهمية كبيرة.
صدقتم بالقول إن الثورة سُلبت من الطبقة العاملة والفقراء، والمفاوضات التي أجرتها شخصيات مركزية من المعارضة مع الحكومة، تؤكد أنهم يرغبون بالتنازل نحو الهدف الأساسي للجماهير، وهو إنهاء الاضطهاد لنيل الديمقراطية، عن طريق تنحية حزب مبارك من السلطة. وإصراركم على رفض التضحية بالمطالب الاقتصادية للعمال والفقراء في نطاق الديمقراطية عادل تمامًا. كما أن أقوالكم صحيحة بالمطالبة بإقامة مجالس منتخبة للنضال. وصدقتم بتحذيركم للجماهير لئلا تثق بالجيش في حمايته للجماهير، وأن على الجيش الانعتاق من الضباط والوقوف إلى جانب الشعب.
هذه النقاط تعبر عن الحقيقة بأن الثورة في مصر تقف في مفترق خطير. وأن الشخصيات المركزية التي تدعي بتمثيلها للجماهير وهي تتفاوض الآن مع الدكتاتورية، تعمل وفقًا لمصالحها البرجوازية. وكما تعلمون فإن عناصر من البرجوازيين والطبقة الوسطى كالأئمة، رجال أعمال وذوي الأملاك الفعالين في قيادة الإخوان المسلمين، أو ذوي المهن الحرة كالدبلوماسي محمد البرادعي، سيكتفون بتحسين أحوالهم في قمة الهرم الاجتماعي في مصر. ولا عجب بأن جل ما يبتغونه هو انسحاب العمال والفقراء من الشوارع والميادين والعودة إلى منازلهم بالسرعة القصوى لكي يواصلوا معاناتهم بصمت وهدوء.
يثبت السلوك الخيانية للشخصيات المركزية في المعارضة البرجوازية نظرية الثورة الدائمة لتروتسكي، وهي وجهة نظر ندرك بأنكم تتمسكون به، وأن الطبقة العاملة وجماهير الفقراء هم القوة التي يمكن الاعتماد عليها، لاستمرار الكفاح بهدف عزل الدكتاتورية، والفوز بديمقراطية لصالح كل المصريين. لأنه ليس للطبقة العاملة والفقراء أي مصالح في المحافظة على المجتمع الرأسمالي الذي تدافع عنه الديكتاتورية.
من الضروري الاعتراف بأن واقع الاستغلال الطبقي، والاضطهاد الإمبريالي، لا تسمح بالديمقراطية الثابتة في مصر، وسيتواصل عدم الاستقرار طالما الرأسمالية الإمبريالية تستمر بسيطرتها في المنطقة. إزاء الفترة الراهنة، والعالم يسير نحو أزمة حادة، لا يمكن للرأسمالية أن تطرح حلا لحياة أفضل للجماهير. ويعرض أصحاب رؤوس الأموال تنازلات سطحية وفورية بمحاولة لتهدئة النضال الجماهيري، لكن استمرار النهج الرأسمالي يعني تفاقم الفقر والاستغلال. وهذا يعني انه في البلدان تسيطر عليها الامبريالية ، وفي الأمم المستعمَرة استعمارا جديدا ، مثل مصر، لا يمكن للرأسمالية أن تسيطر إلا بالدكتاتورية.
الدولة المصرية ضرورية للسيادة الإمبريالية في الشرق الأوسط برمته. إنها تسيطر على الممرات المائية بما فيها قناة السويس. ومصر المحاذية لغزة وإسرائيل هي جدار إضافي للسجن الصهيوني الذي يسجن الشعب الفلسطيني. إن النضال نحو الديمقراطية في مصر يهدد أكثر المصالح الحيوية للإمبرياليين الذين لن يترددوا باستخدام اشد العنف لحمايتها. يمكن للديمقراطية المستقرة والفعلية أن تتحقق في مصر، فقط بعد زوال الأنظمة التي تخدم الإمبريالية، وخاصة دولة الاستيطان الاستعماري العنصري، أي دولة إِسرائيل. إن الثورة الاشتراكية للطبقة العاملة في أنحاء الشرق الأوسط هي الحل الوحيد للأزمات التي تواجه جماهير العمال والفقراء في المنطقة. السرعة التي استوحى به كل العالم العربي من ثورة الطبقة العاملة التونسية تمردًا ، هي التي تدل على احتمالية انتصار هذه الإستراتيجية.
وفي هذه الظروف، فإن الخطوات الخيانية لزعماء المعارضة المتواطئين للتفاوض مع الدكتاتورية، لا تهدد بمنع تلبية مطالب الجماهير فحسب، لأن هؤلاء الزعماء البرجوازيين يحاولون القضاء على الكفاح ، قبل أن تنشئ الطبقة العاملة والفقيرة تنظيماتها المستقلة ، مما يدعم السلطة الدكتاتورية بإعادة تجميع فواتها. وإزاء زخم قوة الجماهير في الشوارع ، فإن الدولة المصرية عاجزة عن سحق النضال ، لكن توازن القوى هذا لا يمكنه الصمود لفترة طويلة. والدكتاتورية ، وكذلك الإمبريالية التي تعتمد عليها للحفاظ على النظام ، ستتحول حتما إلى سفك الدماء حين تشعر أن بوسعها القيام بذلك.
وبكلمات أخرى، فإن الكفاح الجماهيري في مصر سينتصر بطريقة الثورة الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة وستهزم السلطة الإمبريالية في المنطقة أو أنها ستتعرض للمجازر الدموية. إن ثورة العمال هي الأمل الوحيد لتفادي ثورة مضادة كابوسية.
لم يتوصل معظم العمال في مصر إلى الاستنتاج بأن الثورة الاشتراكية هي الحل الوحيد للأزمة في مصر. ويشكل العمال والفقراء غالبية المتظاهرين في الشوارع، لكنهم في بداية الانتفاضة يشاركون كجزء من " الجماهير " ، دون التأكيد على مطالبهم الطبقية المحددة. وخلافًا لتونس حيث نظمت النقابات المهنية هناك تلك الاحتجاجات من اللحظة الأولى للانتفاضة وتُطاع إعلانها الإضرابات العامة على نطاق واسع، بينما العمال المصريون التفتوا لتوهم من احتجاجات الشوارع إلى الإضرابات والاستيلاء على المصانع وهم يطالبون بطرد مبارك. لكن الإعلان بإقامة اتحاد جديد للنقابات المهنية المستقلة والنموذج الكفاحي لعشرات آلاف عمال النسيج في المحلة، كالإضرابات في أماكن العمل والاستيلاء على المصانع في السويس وأماكن أخرى، تدل على أن هذا الكفاح سيتسع.
إن تجربة الكفاح ضد دكتاتورية مبارك منحت الطبقة العاملة الشعور بالقوة العظيمة الكامنة فيها عندما تتحد في العمل الجماعي، والدور الذي يلعبه بعض الزعماء في المعارضة تثبت مدى صحة البعد الاشتراكي الثوري.
ولكن هذا محفوف بالخطر لأن هذه العبر ستفقد إذا لم تكن هذه الإستراتيجية الثورية واضحة للجماهير. ولهذا السبب شعرنا بالإحباط من بيانكم الصادر في مطلع فبراير. وتعبرون في بيانكم بلهجة غير واضحة وبلغة غير ماركسية عن الطبقية ذات المصالح المميزة، بل تستخدمون بلاغة الشعوبيين السياسيين الغامضة. تحتجون ضد النخبة التي اختطفت الثورة الشعبية، وتناشدون الطبقة العاملة لتدعم القوى الأخرى التي تقوم بالثورة، لكنكم لا تناشدون طبقة العمال لقيادة الثورة. هكذا بدلا من الدعوة إلى سلطة الطبقة العاملة عن طريق الثورة الاشتراكية، فإن بيانكم يطرح شعارا ديمقراطيا بحتا، شعارا شعوبيا سياسيا، بأن " كل القوة للشعب ".
أيها الرفاق، إن هذا الشعار "كل القوة للشعب" لا يبدو بشكل سلبي، وهو أفضل من سلطة مبارك، ولكن "الشعب" لا يشمل جماهير الطبقة العاملة والفقراء فحسب، بل الرأسماليين والبرجوازية الصغيرة. وطالما أن الثورة تبدو كممثلة لمصالح كل الطبقات، فإن عرضها يصبح محدودًا للمطالب الديمقراطية المتبعة لكافة الطبقات. وإذا لم يستطع الثوريون الإصرار على قيادة الطبقة العاملة في النضال، فإن السلطة ستقع في أيدي ذوي الموارد الأكبر- البرجوازيين.
وورد في بيانكم في مطلع فبراير:
" ثورتنا ثورة شعبية ليست ثورة نخبة أو أحزاب سياسية أو جماعات دينية. ان شباب مصر من طلاب وعمال وفقراء هم أصحاب هذه الثورة. وقد بدأت في الأيام الأخيرة الكثير من النخب والأحزاب ومن يسمون أنفسهم بالرموز في محاولة ركوب الموجة وسرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين".
ولكن فيما جماهير العمال، الفقراء والشباب هم القوة العظمى وراء الثورة، فإنهم لم يكونوا أبدًا "أصحاب الثورة". كيف يمكنهم أن يكونوا كذلك دون أن يقود حزب سياسي للعمال الجماهير العريضة، ليس ضد ديكتاتورية مبارك فحسب، بل ضد جميع مماثلي الرأسمالية؟
إذا أرادت الثورة التقدم نحو الأمام فينبغي اجتياز حدود "الثورة الشعبية" ويجب أن يتحول كفاح الجماهير إلى كفاحٍ وعيٍ لأجل سلطة الطبقة العاملة. وهذا يتطلب قيادة حزب اشتراكي ثوري للعمال والشباب الأكثر حزما وبعد النظر. لأجل الفوز بدعم الجماهير يجب أن تطيح هذا القيادة الثورية بما في القيادة الحالية للموجة الثورية من الشخصيات السياسية الإصلاحية أو التي تؤيد الرأسمالية. وحتى يحدث هذا، فإن كافة التصريحات بأن الجماهير هم أصحاب الثورة، ليست إلا أحلام يقظة، والشعارات البيانية حول "الثورة الشعبية" و"القوة للشعب" يمكنها فقط إخفاء الأزمة الطبقية وعرقلة الطبقة العاملة من إدراك المهام التي تواجهها.
وعلاوة على ذلك فإن أخطاءكم الفكرية لا تتوقف هنا، مع الأسف. حين تطرحون المطلب للإضراب العام، فإنكم تعرضون بشكل غير مسؤول صورة ساذجة التي تُظهر أن إلغاء سلطة مبارك أمر بغاية السهولة.
كتبتم: "لقد لعبت المظاهرات والاحتجاجات دورا أساسيا في إشعال واستمرار ثورتنا. لكننا نحتاج الى دعم العمال لحسم سقوط النظام. ليس فقط بالمشاركة في المظاهرات بل في تنظيم الاضراب العام في كافة المصالح الحيوية والشركات الكبرى. فالنظام يستطيع ان يتحمل اعتصامات ومظاهرات الميادين أياما وأسابيع، لكنه لن يستطيع البقاء لساعات إذا استخدم العمال سلاح الاضراب فأوقفوا السكك الحديدة والنقل العام والمطارات والشركات الصناعية الكبرى..باسم شباب مصر الثائر وباسم دماء شهدائنا نتوجه الى عمال مصر بنداء أن ينضموا الى صفوف الثورة وان يحسموا انتصارها".
صدقتم أيها الرفاق، بالدعوة للإضراب العام. لأن العملية المعتمِدة على أماكن العمل ستدفع بشكل هائل بالنضال ضد الدكتاتورية، وتشكل أساسًا لإنشاء تنظيمات جماهيرية جديدة للطبقة العاملة. ويمكن للإضراب العام وحده (دون ثورة تفك جذريا سيطرة النظام على أجهزة الحكومة والشرطة والجيش) أن يرغم مبارك وربما بعضًا من مساعديه على التنحي. ولكن كما رأينا في تونس، فإن هذه الخطوات منحصرة بتغييرات سطحية في الحكومة التي تواصل العمل لإنقاذ جهاز الدولة البرجوازية ومنع انتصار الجماهير.
ينبغي القول جهارًا بأن اعتقادكم أن الإضراب العام يكفي لإسقاط النظام باكمله في غضون ساعات، هو اعتقاد سخيف. وكما تعلمون فإن دكتاتورية الدولة، الشرطة والجيش لا زالت بعنفوانها، وإن الإمبرياليين أظهروا كم يودون المحافظة عليها، بينما يطرح بيانكم، وبحق، البعد من انسلاخ صفوف الجيش عن الضباط، فلم يتحقق ذلك بعد وسوف لن يتحقق بشكل أوتوماتيكي. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن اضطرت قوات الشرطة وقوات الأمن الأخرى أن تتوارى، لكنها ترصد الفرصة للانتقام من الجماهير.
يمكن للإضراب العام أن يشل قدرة الحكومة بنسبة كبيرة، ويضع على جدول الأعمال الثورة المسلحة التي ستسحق جهاز القمع للدولة البرجوازية. ومن جهة أخرى تزيد من خطر الهجوم العنيف من قوات الدولة. ويحذر بيانكم وبحق، من الأوهام بأن الجيش هو حماية للجماهير، وتشرحون ذلك بشكل صحيح أن "وسوف يقوم الجيش في نهاية المطاف إما بقمع المظاهرات بشكل مباشر أو بإعادة تشكيل الشرطة لتلعب هذا الدور"، ولكن يتناقض ذلك مع قولكم إن النظام سيسقط بعد ساعات من الإضراب العام دون أي مصادمات مع القوات المسلحة للدكتاتورية.
أيها الرفاق، إن واجب الثوريين المخلصين هو تحذير الطبقة العاملة من الخطر الكامن له من قوات المعادية للثورة، وتوضيح كيفية دفاع الجماهير عن نفسها. والدعوة للإضراب العام ضد الديكتاتورية وإنشاء مجالس نضالية منتخبة وتنظيمات جماهيرية أخرى للطبقة العاملة والفقيرة، ينبغي أن ترافقها دعوات للطبقة العاملة لكي تسلح نفسها دفاعًا عن النفس.
نحن على قناعة من موافقتكم إيانا بأن أفراد الشرطة المجندين تدربوا للمحافظة على القانون والنظام لأصحاب رؤوس الأموال، وقد نتوقع أن يحافظوا على ولائهم للدكتاتورية، وستضطر الطبقة العاملة لنزع سلاحها وتفريقها بالقوة. بينما يختلف الجيش بنسبة معينة، لأن صفوفه تتألف من أبناء العمال والفلاحين ولن يقمعوا بسهولة أفراد عائلاتهم. إن تضامن الجنود مع الجماهير وكفاحها لا يجعلهم جهازًا ناجعًا للقمع لأجل الدكتاتورية.
إن النموذج من الطبقة العاملة والجماهير الفقيرة الذين ينخرطون في النضال وينشئون المجالس القيادية المنتخبة، قد يشكل عاملا شديد التأثير على الجنود النظاميين في الجيش. وينبغي على الثوار تشجيع الجنود العاديين على إقامة مجالسها الخاصة وانتخاب الضباط. إن خشية الجنود أن يأمرون الضباط، الذين تم تعيينهم من فوق، من مبارك وأعوانه، بإطلاق النار على الجماهير، قد تصبح ذلك مقبولا في أوساطهم. وعلى الثوار دعوة الجنود بالمساهمة في تسليح التنظيمات العمالية، بحيث تتمكن من الدفاع عن نفسها من مهاجمة الشرطة وقوات معادية للثورة. واضح أن الضباط سيعارضون هذه الخطوات، لكن تجربة النضال الداخلي في صفوف الجيش سوف يساعد كثيرا في الإثبات للجنود ضرورة عزل سلسلة القيادة لضباطهم وينضمون إلى تنظيمات العمال والفقراء.
مع ذلك، لا يمكن أن نتوقع من الجنود أن يفعلوا كذلك إذا لم يجدوا قيادة ثورية بديلة للطبقة العاملة تعرب عن ثقتها في مقدرة الطبقة العاملة على الاستيلاء على سلطة الدولة وبناء مجتمع جديد من الوفرة والحرية، وكذلك تحصل على ثقة الجماهير. ولكن تطبيق ذلك يتطلب حزبًا ثوريًا لطليعة الطبقة العاملة.
وأخيرا، لا بد لنا من الملاحظة بأن بيانكم من مطلع فبراير، بدلا من تشجيع الرؤيا المستقبلية للاشتراكية الثورية، فإنه يبدي حنينًا مستهجنًا للعهد الذي يبدو وكأنه كان أكثر عدالة في الماضي، قبيل تسلم مبارك للسلطة. نحن لا نعتقد بأنكم تنتظرون بفارغ الصبر عهد سلطة عبد الناصر أو السنوات الأولى لأنور السادات، لكن يبدو أن بيانكم من مطلع فبراير يشير إلى العكس مرارا وتكرارا. مثلا أنتم تصفون السياسة الاقتصادية منذ ثلاثين سنة الماضية، بأنها تؤدي إلى تركيز الثروات بأيدي قلة قليلة، وتحول "غالبية الشعب المصري إلى فقراء معدمين وعاطلين عن العمل". وألان، يستنتج بيانكم، حان وقت ’’ إعادة ‘‘ ثروات البلاد إلى الشعب. ولكن كما تعلمون فإن ثروات البلاد لم تكن أبدًا في أيدي الجماهير في مصر. وحتى إبان عهد عبد الناصر كانت الثروات بيد الرأسماليين، وكانت الغالبية من العمال والفلاحين الفقراء. واليوم فإن البلاغة الاشتراكية الناصرية ما زالت تؤدي إلى تشويش الوعي الطبقي للعمال الذي لا تزال قيد التطوير، وهي تغذيهم بالأوهام أن بوسع سلطة قومية معتمدة على الجيش تلبية احتياجاتهم.
وبذات الروح، حيث تحذرون وبحق، من مغبة الاعتماد على الجيش بحماية الجماهير، فإن بيانكم يعلن: " يجب ألا ننسى أن هذا الجيش لم يعد جيش الشعب. هذا الجيش ليس هو الجيش الذي حارب العدو الصهيوني وانتصر في أكتوبر 73." أيها الرفاق، إننا نعتقد أن الجماهير في مصر وفي كل مكان صادقة باحتفالها بضرب إسرائيل عام 1973، لكننا لا نستطيع أن نصدق أنكم مقتنعون بأن الجيش المصري في عهد السادات كان ’’جيش الشعب‘‘. ربما حارب الجنود لأجل الشعب المصري، لكن سرعان ما تحطمت كل أوهامهم المتعلقة بطبيعة هذا الجيش. وكما تعلمون، فقد استخدم السادات بعد الحرب قوته التي تزايدت، بغية عقد اتفاق أفضل مع الإمبريالية الأمريكية ومع الصهيونية، من خلال خيانته للفلسطينيين ولشعبه المصري. ظهر ضباط تمردوا على السادات، ولكن من منظار قومي برجوازي وديني إسلامي.
ويتطرق بيانكم إلى ضرورة مقاومة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، ليس من نظرة نحو الأمام إلى الثورة الاشتراكية في مصر والتي ستنتشر في أرجاء الشرق الأوسط وأبعد من ذلك، ولكن من نظرة إلى الوراء. "الثورة" كما تقولون، "يجب أن تعيد لمصر استقلالها وكرامتها ودورها القيادي في المنطقة." فإلى أي فترة استقلال كرامة وقيادة في الماضي تتطرقون؟
أيها الرفاق، إن هذه الاصطلاحات التالفة قد تبدو لكم ثانوية، ولكن الحديث بلهجة الماضي لن ينفع الطبقة العاملة لكي تدرك وظيفتها في الحاضر والمستقبل. والأسوأ من ذلك، أنه في الفترة التي تعمل البرجوازية وقوى الطبقة المتوسطة من داخل الحركة، بهدف كبح الطبقة العاملة من الكفاح لأجل مصالحها، فإن الحنين إلى الماضي الوهمي، وكأن الشعب المصري كان موحدًا، لا يستطيع إلا أن يضعف الرسالة التي تحتاج طبقة العمال لسماعها: إن العمال والفقراء والفلاحين لا بد لهم من اعتمادهم على قوتهم فقط في النضال لأجل مصالحهم، وأن من اجل إنقاذ المجتمع المصري يجب أن يأخذوا قيادته.
أيها الرفاق، تعلمون بالتأكيد أنه في 1917 هبت الطبقة العاملة وعزلت القيصر، لكنه لم يكن مقتنعًا بألا يدع ممثلي البرجوازية أن يتولوا الحكم. وإعلان لينين الواضح بشأن الهدف الاشتراكي للثورة - ’’لا لدعم الحكومة (الرأسمالية) المؤقتة‘‘ – ساعد العمال في اتخاذ وجهة نظر الثورة الاشتراكية. وبصورة مشابهة اليوم، فإن الطبقة العاملة في مصر بحاجة إلى قياديين الذين يصرحون مستمرا وبأعلى صوت أن الثورة الاشتراكية هي الحل الوحيد.
لعبت الطبقة العاملة دورا محوريا حتى الآن. وقد نشبت الثورة في مصر بأعقاب الدور الذي قام به العمال في تونس بقيادتهم للجماهير. سبقت النضال الحالي في مصر نضالات الطبقة العمالية التي مهدت الطريق للثورة الحالية. الطبقة العاملة المصرية متداخلة بالكفاح الراهن. لكن هذا لا يكفي بأن تصبح الطبقة العاملة جنود المشاة للثورة، أدواة تتحطم بيد قوى اجتماعية أخرى. ينبغي على العمال أن يتحولوا إلى قادة الجماهير، ولذا يجب على الطبقة العاملة أن تؤلف حزبها الثوري وترشد إلى طريق النصر.
ضرورة القيادة الثورية تأكدت على يد البلشفيين عام 1917. والنتائج التي آلت إلى الكوارث بسبب غياب القيادة الثورية، فتأكدت في الثورة الإيرانية عام 1979 حين كبحت القيادة طبقة العمال تولي السلطة فقادتها فخ الموت للثورة المعارضة. إن مصير الثورة في مصر منوط بإمكانية اكتشاف الطبقة العاملة لقيادة ثورية في صفوفها بحيث تدرك هذه العبرة.