الرابطة من اجل الحزب الثوري

5.2.2013


ثورة مستمرة في مواجهة "تنافس امبريالي جديد"

يسقط التدخل الإمبريالي في مالي!

في الثاني عشر من يناير هذا العام (2013) بدأت القوات الجوية الفرنسية في قصف شمال مالي. تبعها بأيام دخول آلاف الجنود من القوات البرية مدعومين بالدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر الحربية. للقتال جنبا إلى جنب مع الجيش المالي, الذي فقد السيطرة على ذلك الجزء الشمالي من البلاد بعد تمرد مسلح في اوائل عام 2012. ويجري هذا الهجوم العسكري بدعم لوجستي من الولايات المتحدة والقوى الامبريالية الأخرى, كما بدات الحكومة البريطانية في إرسال قوات برية لدعم هذا الهجوم.

تحت غطاء حرب الغرب "ضد الإرهاب", ادعى فرانسواز هولاند رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي ان العمليات العسكرية تنقذ الشعب المالي من الحكم القمعي الوحشي للعصابات الاسلامية. كما أعلن وزير دفاعه "جان ايف لو دريان" ان القوات التي يديرها تمنع قيام دولة إرهابية على عتبة فرنسا وأوروبا.

في الحقيقة قامت القوات المسلحة التي قفزت لحكم الشمال بترويع وارهاب سكان تلك المنطقة باسم فهمها الخاص للاسلام التصفوي التطهيري. فقد فرضت على النساء ارتداء الحجاب وحظرت استهلاك الكحول وجرمت بعض العادات الشائعة اليومية في مالي, كما منعت تدخين التبغ أو عزف الموسيقى الشعبية, بالإضافة لممارستها لاشكال وحشية من العقاب البدني على من زعمت انهم جناة مخالفون [1]. كما هوجمت حقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية التي يختارونها بالإضافة لاستهداف المساجد ومقابر المتصوفة لتدميرها [2].وعلاوة على ذلك, وحيث لا يزال الرق موجودا حتى الآن [3], ذكر مجموعة من النشطاء المناهضين للرق (Temdt) [4] أن مالكوا العبيد في الشمال استغلوا الحرب الأهلية لاستعادة العبيد الهاربين, كما ذكرت ان نسل هؤلاء العبيد كانوا أولى ضحايا العقوبات الاسلامية [5].

ورغم ذلك, فإن الغزو الفرنسي لا يملك أي حلول إزاء مخاوف أزمة الشعب المالي. تهدف فرنسا إلى انقاذ نظام عسكري من الإنهيار, ذلك النظام الذي ظل منهكما في فرض سطوة حكمه الغاشم. وكما وصفت جريدة نيويورك تايمز منذ ستة أشهر, فإن الحكام العسكريين في مالي قد فرضوا مناخ من القمع والترهيب منذ استيلائهم على السلطة في مارس الماضي, والذي تمثل في الضرب والقتل والتعذيب والاختطاف حتى لبعض المعارضين الأكثر اعتدالا [6].

تتمثل المشلكة بالنسبة لفرنسا والقوى الاستعمارية الاخرى في اعتمادهم على ذلك النظام العسكري في مالي لضمان تمكن رأسماليوها من استغلال موارد البلاد وقمع محاولات الشعب المالي مقاومة ذلك الاستغلال. ولكن بداية انهيار النظام في مواجهة التمرد المسلح في الشمال هدد تلك المصالح الإمبريالية. وخصوصا خوف الإمبريالية من أن يتحول شمال مالي لملاذ آمن للعصابات المسلحة الإسلامية.

عن طريق مساعدة الجيش المالي لاستعادة السيطرة على شمال البلاد, يهدف التدخل الفرنسي لعودة استقرار هيمنته على المستعمرة الجديدة في مالي, التي تمثل جزءا من الهيمنة الإمبريالية على المنطقة حيث تكون مصالح القوى العظمى الاستراتيجية والاقتصادية الرأسمالية أولى الأشياء بالحماية. وفي حالة نجاح الغزو, لن يؤدي ذلك إلا لمزيد من استعباد الشعب المالي تحت الفقر والاستغلال والقهر.

هذا يشير إلى أسباب ليس فقط معارضتنا للتدخل الإمبريالي في مالي, بل وتأييدنا لهزيمتها. وسوف نوضح أكثر كيف ان موقفنا الإنهزامي يمكن أن يكون مؤشرا ودليلا للعمل داخل الدول الإمبريالية وأيضا داخل مالي, بعد مراجعة أدوار القوى المختلفة في الصراع.

مالي والإمبريالية.

ادعاءات فرنسا بحماية الشعب المالي من نفسه ليست جديدة. فقد كانت الطبقة الحاكمة الفرنسية تبرر وجودها الامبراطوري بادعاء أن لديها "مهمة حضارية" لتحقيق التنوير والتقدم للشعوب البدائية, عندما كانت مالي واحدة من الممتلكات الاستعمارية الفرنسية الكثيرة, وجزءا من امبراطورية ضمت معظم غرب أفريقيا وأجزاء من الشرق الأوسط وآسيا وجزر المحيط الهادي وأمريكا الجنوبية والكاريبي. ولكن مع ازدياد تمرد السكان ومطالبتهم بالاستقلال, شنت فرنسا حروبا أفظع لاذلالهم. ولكن بمرور الوقت اضطرت فرنسا للتنازل عن ممتلكاتها الخارجية, كما بدا الشعب الفرنسي نفسه بالاعتراف بما كان واضحاً جلياً لدى ضحايا الإمبريالية طول الوقت: المهمة الحقيقية للمستعمرات كانت دائما استغلال شعوبها ومواردها الطبيعية.

ظلت مالي مستعمرة فرنسية حتى عام 1960, وحدودها هي وكثير من الدول الأفريقية ليست سوى تقسيمات اقليمية اعتباطية متعسفة فرضها الاستعمار قسرا على الشعوب. وعندما تخلصت مالي من عبء الاحتلال العسكري والحكم الخارجي المباشر, سقط زمام السلطة في يد طبقة حاكمة ضعيفة من السكان الأصليين اعتمدت على القوة العسكرية للاحتفاظ بالسلطة. وأدارة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية امبرياليات اجنبية, والتي استمرت في استناف الثروات المعدنية والزراعية للبلاد بالإضافة لاستغلال عمالها. وتلقت الطبقة الحاكمة في مالي جزءا صغيرا من أرباح تلك العمليات في مقابل حفظ وجودها في الحكم.

في ظل حكومات متوالية ومختلفة, استمر هذا الوضع الاستعماري الجديد دون معوقات حتى عام 1991. فيما عرف باسم "ثورة مارس", حيث انتفض العمال والطلبة ضد فساد النظام وعدم وجود الديموقراطية, وضد اصلاحات "حرية السوق" التي فرضتها الامبريالية على البلاد, مما ادى لاسقاط الحكومة [7]. تبع ذلك عقدين من حكم ديموقراطي نسبيا للبرجوازية لكن البلاد ظلت في قبضة الإمبريالية. وقد استغلت ديون مالي للبنوك الإمبريالية في انتزاع تسديد الديون عن طريق تطبيق سياسات "الليبرالية الجديدة" واصلاحات السوق الحر وتخفيض الإنفاق الإجتماعي. فانهارت الخدمات العامة وفرغت الدولة من معناها, خصوصا في شمال البلاد.

شمال مالي يمثل حوالي ثلثي المساحة الكلية للبلاد (تقريبا مرة ونصف مساحة فرنسا) لكن حيث ان أغلبها صحراء فيسكنها فقط 10% من السكان. ومنذ الاستقلال انتفضت قبائل الطوارق عدة مرات في الشمال, مطالبين بالحكم الذاتي أو حق تقرير المصير. وقبائل الطوارق البدوية من الرعاه الرحل الذين يشغلون رقعة واسعة من الصحراء والساحل والشريط شبه القاحل الممتد عبر أفريقيا بين الصحراء والمنطقة المدارية في الجنوب. ويقدر عددهم في مالي بحوالي المليون نسمة, وبالتالي فهم المجموعة الاكبر في شمال مالي رغم انهم لا يمثلون الاغلبية. ومنذ قيام الاستعمار بإنشاء دولة مالي, عانت شعوب الطوارق والأقليات الاخرى من وحشية الانظمة المالية.

2012: تمرد وانقلاب.

جددت الجماعات المسلحة تمردهم ضد الحكومة المركزية في أوائل 2012. وكانت النتيجة أن عانت شعوب المنطقة من ويلات الحرب فقط لمواجهة حكام جدد يعاني منهم الكثيرين أكثر من سابقيهم. بدأ التمرد مقاتلوا الطوارق المنضمين للحركة الوطنية لتحرير أزواد (منظمة قومية علمانية) وجماعة أنصار الدين (جماعة كبيرة اسلامية من الطوارق) (أزواد هو الاسم الذي اطلقته الطوارق على شمال مالي). وحاليا انضم للقتال في شمال مالي اسلامييون من دول مختلفة كأعضاء في تنظيم القاعدة في المغرب العربي وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا [8]. لكن وخلافا لأهداف الحركة الوطنية لتحرير ازواد, لا يهدف الإسلاميين اللاقوميين إلى الإستقلال: بل يسعون لإقامة دولة اسلامية في جميع انحاء مالي وماحولها. وعزز من قوتها كتنظيمات مسلحة انضمام مقاتلين شاركوا في الحرب الأهلية الليبية وفروا بعد سقوط الديكتاتورية, حاملين معهم اسلحة متطورة وخبرات قتالية ميدانية.

على الرغم من ان الجيش المالي قد تلقى اسلحته وتدريب ضباطه في الولايات المتحدة الأمريكية, إلا ان الأجور الضعيفة للجنود سيئوا السمعة لا تمثل حافزا كافيا لهم للمخاطرة بحياتهم من اجل الدفاع عن حكومة فاسدة. فبعض الجنود انضموا للتمرد, والبعض الآخر انسحب ببساطة. وكان رد فعل ضباط الجيش أن دبروا انقلابا اطاح بالحكومة في مارس 2012. وأدت الضغوط الإمبريالية لإنشاء واجهة شبه ديموقراطية له ظلت مرتبطة بأسيادها في فرنسا.

بحلول أبريل غزت الحركة الوطنية لتحرير أزواد المدن الشمالي في مالي واعلنت ازواد مستقلة, فرد قادة الانقلاب العسكري في العاصمة باماكو بالدعوة للتدخل العسكري الفرنسي. لكن الحركة الوطنية لتحرير أزواد اختلفت مع الاسلاميين الأفضل تسليحاً, وهزموا في معركة جاو وانسحبوا جانبا [9]. وبذلك سيطر الإسلامييون على الشمال واداروا الحرب ضد الحكومة. وفي بدايات يناير 2013 قاموا بتوسيع رقعة سيطرتهم جنوبا علي بعد 285 ميلا من العاصمة باماكو, وهو الوقت الذي تدخلت فيه فرنسا عسكريا.

وبذلك ومن خلال التقارير المتاحة فإن الحرب الأهلية التي اجتاحت شمال مالي عام 2012 كانت فيها المجموعات المسلحة بمثابة عصابات غاشمة من البلطجية المسلحين. بالإضافة للعديد من التقارير عن فظائع الاسلاميين والجيش المالي, فإن الحركة الوطنية لتحرير أزواد أيضا لا تبدو دائما محررة كما تدعي. وخصوصا حينما يقومون بغزو شعوب وقبائل اخرى لا تنتمي للطوارق. ومثلا على ذلك بعد التدخل العسكري الفرنسي, قام مراسل صحيفة نيويورك تايمز بإجراء مقابلات في تمبكتو مع أناس ذكروا أن " بعدما سيطر مقاتلوا الطوارق على المدينة نهبوا أسواقها لمدة يومين متتاليين واغتصبوا النساء وسرقوا السيارات وقتلوا كل من وقف في طريقهم [10]. وعندما قامت حركة أنصار الدين بالإطاحة بالحركة الوطنية لتحرير ازواد, ظهرت في البداية كمحريين يمنعون الجرائم, لكنهم قاموا بفرض نوعهم المفضل من القمع بعد ذلك.

من أجل هزيمة الإمبريالية في مالي!

المبررات التي تسوقها الطبقة الحاكمة الفرنسية اليوم لغزو مالي ليست سوى نسخة جديدة من "مهمتها الحضارية" العنصرية, تم تحديثها لتناسب مصالحها الداخلية والخارجية. ففي الخارج, تدعي فرنسا انها تقاتل من اجل تحرير الشعب المالي من القمع الاسلامي وتحمي العالم من الإرهاب, وهذا العذر يتوافق مع المفهوم العصري للغطاء الذي استخدمته الولايات المتحدة الإمبريالية "الحرب على الإرهاب" والذي بررت به استخدامها للقوة العسكرية للسيطرة على الشرق الأوسط الغني بالنفط. أما في الداخل, وحيث أن ملايين المهاجرين من الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ضمن العمال الأكثر فقرا واستغلال بما يجعلهم يمثلون قوة كبيرة محتملة خلال النضالات الثورية للطبقة العاملة, فإن تعزيز نغمة الاسلاموفوبيا والخوف من الإرهاب يساعد على شق صف الطبقة العاملة وتبرير الإجراءات البوليسية للدولة والتي تمثل تهديدا للجميع.

غزو مالي ليس سوى أحدث وسيلة ابتكرها حكام الإمبريالية لتعزيز سيطرتهم على ما يسمى بـ"العالم الثالث". فعن طريق جني أرباح فائقة من استغلال الخارج, يصبح الإمبرياليين أكثر قدرة على تحقيق الإستقرار لحكمهم في الدخل, وأيضا عن طريق التنازل عن قدر أكبر نسبيا من الحريات الديموقراطية ورفع مستوى المعيشة عما هو عليه في الدول التي تهيمن عليها. وهذا هو السبب في قولنا بان الإمبريالية لاتزال اهم وسيلة يحافظ به النظام الرأسمالي الفاسد على استعباده للجماهير في كل مكان. ولذلك, وباعتبارنا مدافعين عن ثورة الطبقة العاملة ضد الرأسمالية, فإننا نؤيد هزيمة القوى الإمبريالية في مالي على المستويين المبدأي والعملي الملحّ

من أسباب التشاؤم من المجتمع الرأسمالي انه غالبا لا يقدر قيمة المبادئ, أما المبادئ الماركسية فتشكل دليلا لا غنى عنه للانخراط في النضال الطبقي, وخصوصا حي أنها تسمو فوق ظروف الزمان والمكان وتركز على الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى. ودفاعنا عن الشعوب المضطهدة وسعينا لهزم الإمبريالية ليس سوى نموذج لتلك المبادئ. يجب التواصل بشفافية مع عمال تلك الدول الإمبريالية الذين يكمن عدوهم الرئيسي في داخل بلدانهم في شكل الطبقة الحاكمة. يجب أيضا التواصل بشفافية مع عمال الجماهير المقموعة في البلدان التي تهيمن عليها الإمبريالية وتستنزفها, حيث أن الشيوعيين الثوريين حليف صلب معهم في نضالهم من اجل الحرية. مناهضة الإمبريالية بالنسبة لنا مبدأ ضروري لوضع أسس وحدة العمال والمطحونين الاممية لاسقاط النظام الرأسمالي وبالتالي انقاذ العالم من الإمبريالية والحرب للأبد. هذا هو إطار منهجنا للنضال في مالي اليوم.

وتبعا لذلك, فإننا في الغرب الإمبريالي نؤيد وندعم مظاهرات الإحتجاج على غزو مالي. لكننا علينا أن ندرك أنه في فرنسا وغيرها من الدول الإمبريالية تكون إمكانية قيام الطبقة العاملة بأعمال مباشرة ضد الغزو (كرفض نقل العتاد الحربي أو حتى الإضرابات) مستبعدة جدا في الوقت الراهن على حسب علمنا. وذلك نتيجة فقر الوعي المعادي للإمبريالية بين معظم العمال بالإضافة لوقوع الحركة العمالية تحت هيمنة البيروقراطية المحافظة للاتحادات التجارية, ناهيك عن التهديدات بالملاحقة والاعتقال. ومع ذلك فإننا نشرح أسباب تأييدنا لمثل هذه الأعمال من اجل لفت نظر ثوار الطبقة العاملة والمجندين ورفع وعيهم باهمية ذلك النوع من الأعمال عندما يكون ممكنا.

إننا ندين بشدة تأييد بعض الذين ينتمون لليسار لهذا الإعتداء الإمبريالي باعتباره حصنا من البربرية الإسلامية. واحد أبرز أصحاب هذا التحول نحو الإمبريالية هو الأكاديمي الأفريقي سمير أمين, المعروف مسبقا بكتاباته ونضاله ضد الإمبريالية [11]. أما في فرنسا فتضم قائمة المدافعين عن الإمبريالية الحزب الشيوعي الفرنسي وجبهة جوشي (الجبهة اليسارية) لـجان لوك ميلينشون. كما قام النائب فرنسوا اسينسي متحدثا باسم الحزب في الجمعية لوطنية في 16 يناير بترديد الدعاية المضللة الإمبريالية العنصرية: "إن مواقف نواب الجبهة اليسارية والشيوعيين والجمهوريين واضحة: التخلي عن الشعب المالي ليسقط تحت نير الهمجية المتعصبة ليس سوى جريمة أخلاقية .. التدخل العسكري الدولي ضروري من أجل تجنب بزوغ دولة إرهابية." [12]

في مالي, وقبل الغزو الإمبريالي سقط الشعب بين فكي حرب اهلية بين القوى التي تستغله. ففي الجنوب واجهت الجماهير نظام قمعي فاسد, اما في الشمال, فعانت من الإضطهاد على يد جماعات قومية واسلامية. ولذلك فإن نضال الجماهير من أجل الحقوق الديموقراطية ومصالح العمال والفقراء ضروري لأبعد مدى.

والآن بعد أن غزت الإمبريالية مالي, أصبحت هي والقوات المتحالفة معها هي العدو الرئيسي وضحاياها لم تقتصر على الجماعات الاسلامية التي تمثل الهدف المباشر من الحملة العسكرية. ورغم ان عدد المدنيين الذين تم قتلهم في المجازر التي نتجت عن القصف الجوي ورش البلدان والقرى برصاص الأسلحة الآلية لم يتم تحديده بعد, إلا أن الكثير من العمليات الوحشية تم رصدها بالفعل [13]. وعلاوة على ذلك, فعندما إعاد الغزو الفرنسي السيطرة للجيش المالي على بعض أجزاء الشمال, تم رصد العديد من الأعمال الوحشية والقتل والنهب والتنكيل ضد المدنيين المشكوك في كونهم متعاطفين مع الاسلاميين أو القوميين [14]. وخرج تقرير للحركة الوطنية لتحرير أزواد يصف: "نظم الجيش المالي وميليشياته في أزواد حملات انتقامية عرقية .. وحملات البحث عن الطوارق والفولاني والسونراي والعرب" [15].

يجب على النضال الجماهيري أن يقف في وجه الامبريالية سواء في مالي أو الدول الإمبريالية نفسها, متحديا جهود غزاة الحرب ومؤديا بهم نحو الهزيمة, رغم أننا ندرك ان نتيجة ذلك قد تكون استيلاء الاسلاميين او غيرهم من الظلاميين على السلطة في الشمال. لكن لو انتصرت الإمبريالية, فسيؤدي ذلك ليس فقظ إلى توحش النظام العسكري المالي خلال استعادته للسيطرة على أغلب مدن الشمال, بل وأيضا ستزداد جرأة الإمبريالية في إطلاق العنان لآلة القتل في مناطق أخرى. إن هزيمة القوات الفرنسية والقوى الحليفة لها ستضعف شوكة الطبقات الحاكمة في بلادها بالإضافة لتشجيع الجماهير المطحونة على النضال في كل مكان.

كمبدأ عام, وخلال اشتباك الإمبريالية مع خصومها, فإننا ننحاز لهزيمة الإمبريالية ونقف مدافعين عن الواقعين تحت هجومها. لكن في الوقت نفسه, ذلك لا يعني أننا ندعو المقموعين لوقف نضالهم ضد قامعيهم المحليين أو التخلي عن فرصة اسقاطهم أو حتى المساومة على قدرتهم للدفاع عن أنفسهم بالتحالف مع قامعيهم المحليين قبل دخول الإمبريالية. وفي الواقع, وعلى الرغم من الغزو الامبريالي, إلا انه وفي حالات محددة تثبت الجماعات الاسلامية المسلحة انهم اخطر على الجماهير, وفي تلك الحالة تقتضى الضرورة من المقموعين الدفاع عن انفسهم ضد أكثر التهديدات خطرا وإلحاحا.

وعلاوة على ذلك, لسنا غير مباليين بعواقب التكتيكات المختلفة خلال النضال ضد الإمبريالية. لكننا نناصر وندعم فقط أشكال النضال التي تنسجم مع مصالح الطبقة العاملة وقدرتها على التنظيم والمقاومة ضد القمع والإستغلال الرأسمالي. وكل تكتيكاتنا وفعالياتنا يحددها ويمليها هدفنا الاستراتيجي لثورة عمالية اشتراكية باعتبارها الوسيلة الوحيدة للقضاء على الرأسمالية الإمبريالية البربرية.

الحركة الوطنية لتحرير ازواد.

في أعقاب تراجع القوات الإسلامية سيطرت الحركة الوطنية لتحرير ازواد على عدد من مدن الشمال, موضحين أهدافهم بانها: "لضمان سلامة الممتلكات والاشخاص, خصوصا لوجود خطر حقيقي على حياتهم مع رجوع الجيش المالي الذي يسير على خطى الجيش الفرنسي ... والذي يعبر عن نفسه دائما بالمذابح التي يرتكبها في حق شعب الأزواد الذي لا حول له ولا قوة .. والذي أثبتته مرة اخرى العمليات التي تمت تحت قيادة الجيش الفرنسي". لكن الحركة الوطنية كررت: "استعدادها للمشاركة بشكل كامل مع الجيش الفرنسي والمجموعة الإقتصادية لدول غرب افريقيا خلال كفاحها ضد الإرهاب". وفي الواقع فإنها أعقبت ذلك التعهد بخطوات جدية, فقامت بأسر اثنين من قادة الإسلاميين وتستعد لتسليمهم للقوات الفرنسية. [16].

من منطلق التفوق العسكري الساحق للإمبريالية الفرنسية, سيكون من المفهوم إقدام القوات التي كانت تدافع عن الشعب المالي ضد هجوم الجيش المالي أن تحاول تجنب الدخول في مواجهات مباشرة وفورية مع الإمبرياليين. أما التطوع للانضمام لصف واحدة من أكبر الإمبرياليات في العالم خلال حربها مع المجموعات الإسلامية ليس إلا تصرف مفزع ويجب إدانته. فهي تمثل فعليا محاولة الحركة الوطنية لالتماس قبولهم كشركاء في تثبيت نفوذ مصالح الإمبريالية في تلك المستعمرة الجديدة, والتي ليست سوى أحد أكبر مصادر معاناة الشعب المالي.

ورغم ذلك, سوف نرى في المستقبل ما إذا كانت الإمبريالية ستقبل توسلات الحركة الوطنية للتوسط في اتفاق بينهم وبين النظام الحالي. فكما حاولت الحركة الوطنية قبل ذلك مشاركة الإسلاميين في حكم الشمال قبل أن يلفظها الإسلاميين, فإنها قد حاولت التفاوض مع الإمبريالية لقبول استقلالهم بدولة الشمال قبل الغزو الفرنسي وهو ما قوبل بالرفض. [17]. لكن إذا ما استمر الغزو الفرنسي في دعم انتقام الجيش المالي من القرى والبلدات الصغيرة التي وعدت الحركة الوطنية بالدفاع عنها, فربما تضطر الحركة الوطنية لتحرير أزواد من مواجهة الجيش المالي المدعوم من الإمبريالية, وسيكون في صالح الثوار حينها الدفاع عن الحركة الوطنية والجماهير المهددة.

ثورة مستمرة في مواجهة "تنافس امبريالي جديد"

قبل ستون عاما, لم يكن هناك تقريبا أي دول أفريقية مستقلة. الآن لا يوجد تقريبا أي مستعمرات. لكن كل الدول الأفريقية الآن مستعبدة من واحدة او اكثر من القوى الإمبريالية, وبعضها مستعبد الآن أكثر من فترة استعماره. وجماهير العمال الأفارقة والفلاحين والحرفيين والباعة الجائلين هم الأكثر فقرا في العالم, في الوقت الذي تحتوي بلدانهم على ثروات هائلة. ونظرا لاستمرار الازمة الاقتصادية الدولية, فإن الإمبرياليات وحكام المستعمرات الجدد مصرين على القتال أكثر من أي وقت من اجل السيطرة على الموارد الأفريقية, مسببين بذلك درجات أقسى من البؤس لشعوب أفريقيا.

لم تترك الإمبريالية أفريقيا ابدا بل زاد نفوذها فيها في السنوات الاخيرة. ومع تفاقم الأزمة الإقتصادية العالمية, ازدادت حدة المنافسة بين القوى العظمى للاستيلاء على الموارد الطبيعية والمناطق الإستراتيجية في أفريقيا. فالولايات المتحدة مثلا والتي تعتبر حتى الآن لاعبا صغيرا في أفريقيا, قد أنشأت قيادة عسكرية للقارة تحت اسم "افريكوم" [18] كما قامت بتعميق تواصلها مع الانظمة العسكرية في المنطقة تحت غطاء اتفاقيات التعاون لمكافحة الإرهاب. [19]. وفي الواقع, فإن الولايات المتحدة قد اعلنت للتو عن إنشاء قاعدة عسكرية جوية في النيجر المجاورة.

في القرون الماضية, أخذ "التنافس الإمبريالي" لتقسيم القارة الإفريقية شكل حروب الإحتلال والحكم الإستعماري المباشر. أما الآن فالاستعمار يفضل تجنب تكلفة الاحتلال العسكري ويعتمد بدلا من ذلك على الأنظمة المستقلة لحماية مصالحه في المنطقة. لكن عقود من الاستغلال الاستعماري تركت أغلب هذه المستعمرات السابقة ضعيفة معرضه للانتفاضات الجماهيرية والانقلابات الانتهازية من قبل المعارضة البرجوازية. عدم الاستقرار هذا سيؤدي لجر القوى الإمبريالية في المنطقة لصراع مع كلا من الجماهير والحكومات المحلية. وهذا هو السبب في ضرورة أن يكون الماركسيين واضحين قدر الإمكان خلال تقدمهم لقياده النضال ضد الإمبريالية, باستراتيجية مؤطرة بالولاء للمبادئ المناهضة للامبريالية, وبتكتيكات مبنية على المصالح والتنظيمات المستقلة للعمال والمطحونين.

النضال الجماهيري لهزيمة الغزو الإمبريالية ضرورة ملحة. ولكن إذا كنا سنتعلم اي دروس من نضالات تحرير افريقيا, فسيكون اول ما نتعلمه أن الاستقلال السياسي تحت غطاء الرأسمالية ليس كافيا. فهو في الواقع سيتحول ببساطة إلى استغلال استعماري جديد. وهذا هو السبب في أهمية عمل الثوار في خضم المعارك ضد الإمبرياليى من اجل إبراز مدى الحاجة لانضمام العمال والفلاحيين والحرفيين والباعة الجائلين والعاطلين وكل الشعوب المضطهدة لمعركة تحريرهم جميعا. كان تكتيك الإمبريالية "فرق تسد" ناجح في أفريقيا اكثر من أي مكان آخر. وللتغلب على ذلك الإنقسام فإن العمال والشعوب بحاجة إلى ثورة قاريّة بل في الحقيقة أممية رغم انها شرارتها ستنطلق من دولة واحدة أو عدد قليل من الدول.

الهيمنة الإمبريالية على الدول المقهورة يزيد من حدة تناقضاتها الطبقية, ويضعف موقف طبقاتها الحاكمة خلال قيادتهم الجماهير نحو التمرد عليها. وكنتيجة لذلك, فغالبا سنتطلق شرارة الثورة الإشتراكية من البلدان التي تملك طبقة عاملة قوية وفي نفس الوقت مضطهدة من قبل الإمبريالية. لكن في نفس الوقت يجب على عمال ومطحونين الدول الإمبريالية الإنتفاض والاستيلاء على الثروة والقوة العسكرية لحكامهم من اجل ضمان النصر الحاسم للاشتراكية في جميع انحاء العالم.

هذه هي استراتيجية الثورة الدائمة والمستمرة. ومع إدراك ان الرأسمالية الامبريالية المنحطة تشكل تهديداً قاتلا بالنسبة للحريات الديموقراطية والاقتصادية لجماهير العمال والفقراء في كل مكان, فعلى الثوار النضال من اجل تحسين شروط النضال واصلاح قاعدة المصالح الجماهيرية في الوقت الذي يشرحون لهم فيه أن ثورة عماليةأممية اشتراكية هي الحل الوحيد.

ومن اجل نجاح تلك النضالات, يجب على العمال والمطحونين المتمردين إيجاد قيادة لحزب طليعي مستعد لقيادتهم خلال طريق اسقاط الرأسمالية. وهذا يعني منظمات مدربه تضم العمال والشباب الأعلى وعيا طبقيا وقوة نضالية, مسلحين بالنظرية اللينينية والتروتسكية وبرنامج ماركسي يعبر عن عصرنا, برنامج احياء الأممية الرابعة.


مراجع ووصلات خارجية:

1. www.hrw.org/news/2012/09/25/mali-islamist-armed-groups-spread-fear-north.

2. www.dailymotion.com/video/xs0ogj_islamists-destroy-sufi-shrines-in-timbuktu-mali_news#.URGVkaV9Kh0; www.aljazeera.com/news/africa/2012/07/20127119538255768.html; and http://www.aljazeera.com/news/africa/2012/10/2012101913622429221.html.

3. For background information on the persistence of slavery in Mali’s north, see Anti-Slavery International, “Descent Based Slavery in Mali,” and Celeste Hicks, “Uncovering Mali’s hidden slavery,” BBC News, August 22, 2010.

4. www.antislavery.org/english/what_we_do/antislavery_international_today/award/2012_award_winners/default.aspx.

5. Mark Tran, “Mali conflict puts freedom of ‘slave descendants’ in peril,” The Guardian, October 23, 2012

6. Adam Nossiter, “Wave of Violent Repression Plagues Capital of Mali,” New York Times, July 25, 2012.

7. Stephen Zunes, “Mali’s struggle not simplyof their own making.”

8. www.aljazeera.com/indepth/features/2013/01/20131139522812326.html

9. www.reuters.com/article/2012/06/28/us-mali-crisis-idUSBRE85R15720120628

10. Lydia Polgreen, “Timbuktu Endured Terror Under Harsh Shariah Law,” New York Times, January 31, 2013.

11. www.m-pep.org/spip.php?article3184.

12. www.humanite.fr/sites/default/files/pdf/2013/mali_asensi.pdf.

13. Associated Press, “Mali residents detail civilian casualties in Konna,” January 26, 2013; and Kim Sengupta, Daniel Howden and John Lichfield, “Revealed: how French raid killed 12 Malian villagers,” The Independent, January 28, 2013.

14. Luke Harding, “Mali’s ethnic tensions erupt as troops hunt down suspected Islamists,” The Guardian, January 30, 2012; and As Mali’s Islamists retreat, Tuareg civilians fear vengeful army’s reprisals,” The Guardian, January 31, 2012.

15. Transitional Council of the State of Azawad (C.T.E.A), Press Release, January 28, 2013.

16. Cheikh Diouara, “Mali Tuaregs seize two Islamist leaders fleeing French strikes,” February 4, 2013.

17. Roger Annis, "Mali: War threatened as Touareg leaders declare independence,” April 16, 2012.

18. Jim Lobe, “Africa Gets Its Own US Military Command,” Inter Press Service, February 1, 2007.

19. “Mali Falls Apart,” January 22, 2013.