تأتي مسيرتنا للاحتفال بذكرى عيد العمال اليوم (اليوم الذي يرمز لكفاح الفقراء والطبقة العاملة ضد الاستغلال والقمع الرأسمالي) في يتسم بكونه فرصة عظيمة كما يهدده أيضا أخطار عظيمة.
يتأرجح الاقتصاد الرأسمالي العالمي اليوم على شفا كساد عظيم آخر, وبدأت أصفاد الدول التي تكبل جماهير الفقراء والعمال في الانكسار عند أضعف حلقاتها. فالثورات الشعبية التي هزت عروش الديكتاتورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تكن تطالب فقط بالحريات الديموقراطية ولكن اتسعت لتشمل الحق في التوظيف والقضاء على الفقر. والذي شكّل تحديا ليس فقط للديكتاتورية المحلية بل أيضا للقوى الامبريالية التي يعتمدون عليها في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. أما بخصوص الشعب الفلسطيني, فقد أحيت تلك الثورات إمكانية التحرر نهائيا من الاضطهاد والاحتلال الصهيوني .. من النهر, إلى البحر!
"الثورات العربية" أصبحت بالفعل مصدرا لإلهام المعارك النضالية في اوروبا والولايات المتحدة. فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وانقضاض الرأسمالية على مستوىات المعيشة والحقوق الديموقراطية للعمال في الابلدان الامبريالية, فإن العاملين بتلك الدول لا خيار أمامهم سوى الدخول في معارك نضالية كبرى.
أظهرت الانتفاضات في العالم العربي أن الجماهير لديها القدرة والقوة للنضال التحرري ضد الامبريالية وعملائها من الأنظمة الفاسدة. ولكنها في الوقت نفسه أثبتت أن النصر مستحيل بدون تصعيد التحرك النضالي ليمتد ويشمل الصراع الطبقي. ونحن نعتقد أن مصير النضال الفلسطيني, المرتبط بالضرورة بنضال جماهير الشرق الأوسط, سيقرره مدى انتشار الوعي لدى الجماهير المستغلة والمضطهدة وادراكها لأهمية وضرورة الاستيلاء على السلطة من أجل بناء مجتمع اشتراكي يتمتع فيه الجميع بالحرية والوفرة الاقتصادية. ونحن نعتقد أن الفلسطينيين في أراضي 1948 و1967 سوف يلعبون دورا هاما في هذا الصراع.
لقد استخدمت الأنظمة القديمة والجديدة القمع العنيف ضد الجماهير. هذا غير أن "الثورات العربية" تواجه أزمة قيادة. ففي مصر وتونس يسعى زعماء الاسلاميين للتعاون مع فلول الأنظمة القديمة من أجل المشاركة في جني ثمار حكم شعوبهم. أما في ليبيا, فإن رجال القذافي القدامى انضموا للإسلاميين من اجل الركوب على النضال الجماهيري بمساعدة الامبريالية الغربية وممالك الخليج, واليوم تجد الجماهير الليبية نفسها محاطة بصراعات كافة القوى الرجعية. أما في سوريا, يذبح الأسد شعبه بلا رحمة, في حين ان قيادة المعارضة الرسمية, المجلس الوطني السوري, يحاول أن يلعب نفس الدور الموالي للإمبريالية الذي لعبه من قبل المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. ففي كل دولة فإن القوى الموالية للإمبريالية قومية كانت او اسلامية تدرك جيدا أن دورها هو القمع المستمر للجماهير.
وفي الوقت الذي يدين فيه الغرب القمع الوحشي في سوريا, فإن الأنظمة الموالية للولايات المتحدة تستمر في قمع المتظاهرين بشكل علني في بلادهم, مدعومة بصمت الامبريالية المنافقة. فعلى سبيل المثال, وخلال موجة الاحتجاجات التي قامت بها الاغلبية الشيعية المضطهدة في البحرين, قامت المملكة العربية السعودية بإرسال جيشها لمساندة ملك البحرين في المذبحة التي أقامها تحت ذريعة أنه يمنع بذلك انقلاب تقوده ايران. وفي الواقع فإن دول الخليج هي طليعة الثورة المضادة في المنطقة. فهي أقرب حلفاء الدولة الصهيونية, وهم الممولين الرئيسيين للأحزاب الاسلامية في مصر وتونس, والتي تنفذ أجندتها لتحقيق الاستقرار الرأسمالي في تلك البلدان. وفي الوقت نفسه تدعم التدخل الامبريالي في سوريا وليبيا.
تواجه الجماهير الفلسطينية الآن مشكلة مماثلة. فالدولة الصهيونية تملك التفوق العسكري وقد ثبت مرارا وتكرارا استعدادها لارتكاب جرائم الابادة الجماعية من أجل الحفاظ على السلطة. ومن دون التقليل من مسؤولية الصهيونية عن معاناة الفلسطينيين فإننا يجب أن نشير إلى دور القيادات البرجوازية الفلسطينية في خلق هذا الوضع. ففي الأراضي التي استولت عليها اسرائيل منذ عام 1967 كانت السلطة الفلسطينية الفاسدة بمثابة اليد الطولى لإسرائيل لعقود طويلة. وفي الوقت الذي تلعب فيه لعبة إقامة دولة فلسطينية وهمية بجوار اسرائيل, تستمر اسرائيل في الاستيلاء على الأراضي. وبالفعل في فبراير من العام الماضي, استخدمت السلطة الفلسطينية قواتها البوليسية في فض المظاهرات التي خرجت تتضامن مع النضال الجماهيري في الدول العربية. كما تتصرف حماس على نحو مماثل, في اشارة موجه للولايات المتحدة واسرائيل عن استعدادها للتوصل إلى اتفاق معهم مقابل قبول الامبريالية اشراكهم في السلطة في دويلة فلسطينية في المستقبل.
نحن ننضم إلى المطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الفلسطينيين. فإسرائيل لا تملك أي سلطة أخلاقية للحكم على الفلسطينيين الذين تم قمعهم والاستيلاء على أراضيهم لعقود طويلة من الزمن.
وهناك جانبا مهما من جوانب السياسة الاسرائيلية والأمريكية وهو محاولة إجبار ايران على وقف مشروعها النووري, مستخدمين في ذلك عقوبات موجهة للجماهير الايرانية ومهددين بالتدخل العسكري الامبريالي. ورغم أننا نعارض رجعية النظام الايراني الرأسمالي, إلا اننا نعارض كذلك التدخل الامبريالي والعقوبات والتهديدات بالحرب من قبل اسرائيل والولايات المتحدة. ونحن لا نعترف بـ"حق" الامبريالية في أن تملي على الجماهير نوع النظام الذي يحكمهم أو ماهية الوسائل المسموحة لهم للدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الامبريالية.
الاشتراكيون الثوريون يجب أن يكون لهم دورا حاسما في اسرائيل. فاسرائيل هي دولة الفصل العنصري ليس فقط في أراضي 1967 ولكن أيضا في مواجهة الفلسطينيين الذين يعيشون في اسرائيل. وبصرف النظر عن القمع الذي مارسته الدولة الصهيونية منذ قيامها, فإنه في السنوات القليلة الماضية زادت الهجمات الصهيونية حدة وبشاعة, والدليل على ذلك القوانين العنصرية التي مُررت في السنوات الأخيرة, بالإضافة لتكثيف الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين بداخل اسرائيل.
ولكن اسرائيل أيضا تعد دولة رأسمالية تستغل العمال اليهود. ونحن ندعم نضال العمال اليهود ضد الرأسمالية طالما لا تهدف إلى تعزيز امتيازات اليهود على حساب الفلسطينيين, حيث أننا نهتم بمصير يهود اسرائيل. وفي الوقت نفسه, فإننا نوضح أن أهم أسبابنا لدعم نضالات العمال اليهود هو أنها تضعف قوة الدولة الصهيونية. وبهذه الطريقة فإنها تساعد في قضية تحرير فلسطين والثورة الاشتراكية العالمية.
لن يتمكن العمال اليهود في اسرائيل من تحرير أنفسهم من الفقر إلا عن طريق كسر العنصرية الصهيونية والعمل على اعتبار الفلسطينيين رفاقا لهم. فحركة الخيام التي تتمتع بزخم كبير قد انحدرت عندما رفضت الاعتراف بتلك الحقيقة مما سيسهل من هزيمتها حينما تدخل في صراع مع الدولة. وعلى مدى علمنا فإننا نعتبر المنظمة الاسرائيلية الوحيدة التي حذرت من هذا الخطر منذ البداية.
إننا نعتقد أن العقبة الكبرى أمام الثورة الاشتراكية في عصرنا هذا هو عدم وجود قيادة سياسية ثورية للطبقة العاملة. ولذلك, فإننا نعتقد أن واجب الثوريين الآن هو مناقشة بل وتوجيه النقد عند الضرورة للمجموعات التي تدعي بأنها اشتراكية أو ثورية. ونحن نولي أهمية خاصة للنقاش مع المجموعات التي تدعي أنها تمثل الماركسية وهي في الواقع تتخذ مواقف موالية للرأسمالية والإمبريالية. ودافعنا في ذلك ليس التعصب ولكننا ننطلق من ادراكنا ان الثورة الاشتراكية مستحيلة بدون قيادة الحزب الطليعي الواضح نظريا وبرنامجيا.
ويعد الحزب الشيوعي الاسرائيلي أكبر هذه المنظمات. فقد أكد الامين العام للحزب السيد محمد نفاع في خطابه أثناء المؤتمر السادس والعشرون للحزب الشيوعي الاسرائيلي على دعم الحزب للسلطة الفلسطينية القمعية الفاسدة الموالية للإمبريالية. فالحزب الشيوعي الاسرائيلي يدعم انشاء دويلة فلسطينية بجوار الدولة الامبريالية الاسرائيلية, والتي سوف تستمر في السيطرة على 80% من فلسطين المحتلة. هذا الموقف الذي ينكر حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير, بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة, كما أنه يساعد الدولة الصهيونية على الاستمرار في عملية سلام وهمية لإضفاء الشرعية على قمعها استعماريا.
إن موقف الحزب الشيوعي الاسرائيلي الموالي للصهيونية يدفعه نحو التعاون مع الأحزاب الصهيونية. فمؤخرا, انضم الحزب إلى جبهة انتخابية في الهستادروت تتألف من حزب العمل ايتان كابل وكاديما وميرتز وأعضاء سابقين في الليكود. وفي كثير من الحالات, يضطر الثوار إلى التعاون مع المنظمات غير الثورية وحتى الرجعية من أجل النضال على مطالب ملموسة وحقيقية. ولكن هذا يختلف جذريا عن تحمل مسؤولية سياسات الأحزاب الصهيونية الحاكمة.
فيما يتعلق بالانتفاضة السورية نجد أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي يتحدث بانفصام في اتجاهين مختلفين. ففي حين أنه من الضروري بالطبع أن يعارض التدخل الامبريالي في سوريا, إلا أنه سلك سلوكا متطرفا عندما أعرب في بيان تأييد بمؤتمر أثينا مفاده أن "هناك مؤامرة ضد سوريا هدفها هو إعادة تأسيس الهيمنة الاستعمارية في المنطقة من خلال تدمير حركات التحرر الوطني العربية... والأطراف المجتمعة هنا ترفض كل الهجمات او التدخلات الامبريالية على سوريا, كما تدين دعم العناصر الاجرامية والارهابية التي تضر البنية التحتية الاجتماعية وتسفر عن قتل المئات من الأبرياء في سوريا".
فهذا لا يعد دعما للشعب السوري ولكنه يدعم ديكتاتورية الأسد الاجرامية. فالمحاولات التي تقوم بها القوى الرجعية والموالية للامبريالية بغرض القفز على الانتفاضة السورية والاستفادة من معارضة الأسد لا يعني أننا نستطيع تجاهل انتفاضة شعبية حقيقية في سوريا بدأت في المناطق الأكثر فقرا وبذلت جهودا عظيمة في مقاومة الطائفية. في الوقت ذاته, ينتقد أعضاء الحزب الآخرون قمع الأسد بدون توجيه أي انتقاد للقوى الناشطة في المعارضة والموالية للامبريالية, كجماعة الاخوان المسلمين التي تهيمن على المجلس الوطني السوري.
منظمة أخرى تدعم موقف الدولتين هي منظمة "حركة النضال الاشتراكي" أو مافاك. ويجب هنا أن نشيد بمافاك لاعدادها نشرة عن يوم الأرض والتي احتوت على اشارات واضحة للنضال ضد سلب ملكية الشعب الفلسطيني, والذي ترجم بدقة للغة العربية. ولكن هذا البيان ناقش فقط دور حكومة نتنياهو في سلب الملكية الفلسطينية, كما انه لم يتم نشره على موقعهم الالكتروني. وليست هذه المرة الأولى التي لا تنشر فيها تلك المنظمة بياناتها الاكثر راديكالية الموجهة للفلسطينيين (انظر مقالنا عن حركة خيمة). وحيث أن مافاك لم تكلف نفسها عناء شرح هذا السهو فلا نجد أمامنا خيارا سوى أن نؤول السبب في ذلك إلى خوفهم من فقدان المتعاطفين الصهاينة بسبب تلك البيانات.
وتدعم حركة النضال الاشتراكي "مافاك" حل انشاء دولتين اشتراكيتين بدلا من دولة فلسطينية من النهر إلى البحر. ففي احدى وثائق مؤتمرها السابع كتبت مافاك: "الاعتراف بالحق المتساوي في تقرير المصير للفلسطينيين والاسرائيليين يعد جسر ضروري للتغلب على الانقسامات القومية في النضال .. الجدال حول "دولة واحدة" أم "دولتين" هو جدال بعيد الصلة عن الموضوع الأساسي للحوار .. ترك التحكم بمصير الصراع للنخب الاسرائيلية والفلسطينية وقوى الغرب".
الماركسيون اللينيون والتروتسكيون حقا لا يتنولوا القضايا القومية من منظور ليبرالي برجوازي كـ"الحقوق المتساوية", بل يطرحوا تلك القضايا من وجهة نظر الشعوب المضطهدة ونضالها من أجل التحرر. فقيادات مافاك فشلت في تحديد أوجه المفارقة بين اسرائيل, الدولة القمعية الاستيطانية الاستعمارية, والشعب الفلسطيني المقهور صاحب الأرض التي سرقها الصهاينة. فمشكلة المجتمع الاستيطاني هي أن الطبقة العاملة المستوطنة وإن كانت تقع تحت نير الاستغلال الرأسمالي إلا انها تريد ان تحافظ على الامتيازات الممنوحة لها كنتيجة مباشرة لاضطهاد السكان الاصليين, وبالتالي لا يمكن أن تكون المحرك لثورة اشتراكية. ولذلك فالطريقة الوحيدة لكسب تأييد بعض أجزاء الطبقة العاملة اليهودية للثورة هي حثها للتخلي عن مطالباتها لهذه الامتيازات والانضمام للنضال الثوري الفلسطيني.
ليس لدينا أي شك في انه بين أعضاء هذه المنظمات يوجد العديد من الرفاق الذين يريدون حقا رؤية ثورة اشتراكية تشتعل. ونقول لهم: سنقف بجانبكم خلال كل النضالات ضد الاضطهاد والاستغلال, لكن الطريق للثورة يمر من خلال انشاء احزاب الطبقة العاملة الثورية, لا من خلال حلول وسط ومواءمات مع الامبريالية والصهيونية أو القوى السياسية المؤيدة للرأسمالية.